من أعــــــــــلام الأدب واللغـــــــــــة / توفيق الحكيم

توفيق الحكيم
1902 ـ 1988 م

مقدمة
في تاريخ الأمم تتخذ شخصيات أوضاعاً جديدة إثر اختبارات مصيرية ، ولا شكَّ بأن لقاء الشرق بالغرب ، أو لقاء الحضارة العربية الإسلامية بالحضارة الغربية ، كان أحد تلك الاختبارات المهمة في تاريخ المشرق العربي ، وقد انعكس هذا الاختبار أوضح انعكاس في سير حياة المفكرين وأهل الثقافة ، فكان منهم المقلدون المتغربون دون تحفظ ، ودون مراعاة لخصوصيات الثقافة العربية الإسلامية ، ومنهم مَن أخذ مِن الغرب ما يناسب ثقافتنا ، بل وصبغ ما أخذ بطابع الشخصية العربية الإسلامية الشرقية ، وخير مثال على ذلك " توفيق الحكيم "

حياة الحكيم ونشأته

لحياة الحكيم خصوصية ، قسمتها إلى مراحل ، تميزت كلٌّ منها بميزات خاصة أثَّرت في مسيرته الحياتية ،

ونستطيع تسمية هذه المراحل بأطوار :

الطور الأول ( بين الاسكندرية والقاهرة 1902 – 1924 م
يبدأ هذا الطور بولادة الحكيم وينتهي بتخرجه من الجامعة ، وهو طور اتسم بالجبرية حيث كان الحكيم مسيراً في كلِّ ما يخص حياته .
مما قاله الحكيم في ( سجن العمر ) : نشأ الحكيم في بيت ثراء وفي كنف أم تركية الأصل عنيفة الطباع ذات كبرياء واعتداء بأصلها التركي مع حبالتفاخر والتعالي مما جعل علاقته بها غير سوية فشخصيتها على حد تعبير أشبه بالبركان الثائر ، وكانت تؤثر نفسها ، عنيدة ، هذه الصفات لم تُتح لابنها التقرب إليها فولد ذلك في نفسه صفــات الخجل والانطواء والعزلة ( الابتعاد ) عن الناس . وقد حرمته أمه من أشياء أحبها كالعزفعلى العود والتردد على دور السينما والأصدقاء ، مما سبب فجوة عاطفية بينه وبين أمه ازدادت بمولد أخيه زهير .

ومع هذا فلأمه أثر إيجابي على فنه ، فقد أثرت قصصها وحكاياتها التي كانت ترويها له أثناء مرضها على تكوين خياله في سن مبكرة .

درس الحكيم الحقوق ليعمل في مهنة المحاماة مهنة الارستقراطيين ( الطبقة الغنية المتنفذة ) بناءً على رغبة والده .
وقدم الحكيم أولى محاولاته في المسرح الاجتماعي ( الضيف الثقيل ) و ( المرأة الجديدة ) .

الطور الثاني ( في باريس 1924 – 1928 )
في هذا الطور تتبدل الأمور كلياً في خيارات الحكيم الحياتية .
ذهب الحكيم إلى باريس لدراسة الدكتوراه في الحقوق ، ولكنه بدل ذلك درس الأدب والمسرح ، ومما نمَّى موهبته الأدبية ، و أغراه بالتخلي عن الدكتوراه و دراسة الأدب والاتجاه إلى الفن :

1ـ أنه وجد في باريس عاصمة الأدب والفن ، ما يناسب ميوله ويلبي تطلعاته الفنية.
2ـ تردده على مسرح الأوديون ودار الأوبرا، ومشاهدة ما يعرض من روائع المسرح الأوروبي مما أثرى موهبته المسرحية.

3 ـ شغفه بموسيقى المشاهير وأصحاب السمفونيات.

4 ـ عكوفه على دراسة الأدب والمسرح ، وتفتق مواهبه على نواحي الفن والجمال .

في باريس كتب مسرحيته ( أمام شباك التذاكر )بالفرنسية ، وبطلتها فتاة شباك التذاكر في مسرح الأوديون .

الطور الثالث ( عودة الحكيم إلى مصر 1928 )
هذا الطور هو طور النضج والعمل ، ويتبين لنا هذا من خلال ، الوظائف التي تقلدها الحكيم أو من خلال الإنتاج الأدبي والفكري لهذا الأديب العربي المبدع .

1 ـ وكيل النائب العام في أرياف مدينة طنطا ، وكتب فيها يوميات نائب في الأرياف .

2 ـ رئيس قسم التحقيقات في وزارة المعارف .

3 ـ تفرغ للعمل في الصحافة والإنتاج الأدبي .

4 ـ مدير دار الكتب المصرية .

5 ـ عضو المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية .

6 ـ مندوب منظمة اليونسكو في باريس ( 1959 – 1960 )

7 ـ عاد عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية .

واستمر عطاء الحكيم غزيراً إلى أن توفاه الله عام 1988 م .

2 ـ الحكيم والأدب التمثيلي

للحكيم موقف متميز من الأدب التمثيلي كان سبباً لنجاحه وتميزه فيه .
يقول الحكيم في مقدمة مسرحيته "أوديب " : تردد الأدب العربي في قبول الأدب التمثيلي ، لأن الأدب العـربي كغيره من الآداب العريقة لا يقبل العبث من دون بحث أو تمحيص وحذر واحتياط . وهذا ما تؤكده طريقة ظهور المسرح في بداياته حيث اعتمد الترجمة دون مراعاة للثقافة العربية الإسلامية الشرقية .

3 ـ آثار الحكيم ومنابعها
لم يلتزم الحكيم بمصدر واحد أو مذهب واحد في الكتابة ؛ لذلك فالمصادر التي استقى منها الحكيم مادة أدبه متعددة ، ومذاهبه في الكتابة متعددة أيضاً :

1 ـ التراث الإسلامي و الشرقي ( القصص الديني والشعبي)

أ ـ مسرحية أهل الكهف ـ مسرح ذهني استمد موضوعها من قصة أهل الكهف في القرآن الكريم، وعالج فيها قضية الإنسان والزمان والصراع بين القلب والزمن ، والمقصود معالجة قضية اجتماعية هي عدم القدرة على مواجهة الحاضر بعقلية غارقة بأفكار قديمة .

ب ـ مسرحية شهرزاد ( 1934 م ) ـ مسرح ذهني ـ اســتمد موضوعها من التراث الشرقي ( قصص ألف ليلة وليلة ) ، ويعالجفيها الحكيم فكرة الصراع العنيف بين المادة والروح .

ج ـ مسرحية سليمان الحكيم ـ من التراث الديني .

في المسرحيات المذكورة ومسرحيات أخرى حاول الحكيم التوفيق بين العربي الإسلامي والعنصر الغربي في ثقافته ، وقد أعاد صياغة القصة لمعالجة قضية عصرية ، وضمنها أفكاره وعواطفه ، فهي مطبوعة بنظرة الحكيم الشرقية إلى الإنسان .

د ـ " يوميات نائب في الأرياف " و " حمار الحكيم " التراث والواقع الشرقي المصري ، وفيها صور مشكلات الفلاح ومظاهر التخلف في الريف المصري .

موقف بعض النقاد من توجهات الحكيم التوفيقية:

يقول صلاح عبد الصبور: لقد استلهم توفيق الحكيم تراثه العربي والإسلامي في أعمال عدة يأتي على رأسها " شهرزاد " و " أهل الكهف " و " محمد " و " أشعب " و " شمس النهار" و " السلطان الحائر " وغيرها وهو حين استلهم هذا التراث حاول أن يوفق بين مادته القديمة وبين الشكل المعماري الذي اكتسبه من الحضارة الأوروبية.

و مما قاله طه حسـين عميد الأدب العربي في مسرحية ( أهل الكهف ) : إنها حدث في تاريخ الأدب العربي ، وهي تضاهي أعمال فطاحل أدباء الغرب . ونفهم من هذا الرأي أن هذه المســرحية على مستوى فني كبير ( من ناحية الشكل والموضوع ) وصل إلى مستوى العالمية .

2 ـ الحضارة اليونانية .

أ ـ مسرحية الملك أوديبـ مسرح ذهني ـ استمدها من الأساطير اليونانية ومآسيها ، وفيها يعالج الحكيم فكرة صراع الإنسان مع القدر والمصير الإنساني في الوجود .

ب ـ مسرحية بجماليون ، مسرح ذهني ، عالج فيها الحكيم مشكلة الفن والحياة .
فـي المسرحيتين السابقتين التزم الحكيم الأصل اليوناني للأسطورة ولم يخرج عن دائرة نصها ، لكنه أضاف إليها من ثقافته الإسلامية وتكوينه الشخصي .

يعود اهتمام الحكيم بالمسرح اليوناني لأنه أنضج مسرح قديم وصل إلينا .

3 ـ الحضارة الفرعونية

أ ـ مسرحية إيزيس ، مسرح ذهني ، يعالج فيها مشكلة الحكم وعلاقة الشعب بالحاكم .
بـ عودة الروح : رواية نقض فيها الحكيم ما قاله في يوميات نائب في الأرياف ، بل وبرر وعلل كل مظاهر التخلف التي ذكرها .

4 ـ الفكر الوجودي الغربي

أ ـ مسرحية السلطان الحائر ـ المسرح الذهني ، يعالج فيها الحكيم مسؤولية الإنسان في الكون وإرادة الاختيار عنده .

5 ـ التيار الثقافي في الستينيات

ثار حوار حول مسرح اللامعقول في الستينيات ، فما كان من الحكيم إلا أن أصدر :

1 ـ يا طالع الشجرة . 2 ـ الطعام لكل فم .

***نقـــاط مضيئة
1 ـ غاية توفيق الحكيم من الكتابةفي أغلب أنواع الأدب المسرحي تناول قضايا الإنسان المادية والروحية ومحاولة إيجاد حلول لها في إطار نظرة شرقية للإنسان ومنزلته في الوجود .

2 ـ اهتمام الغرب بترجمة مسرحيات توفيق الحكيم إلى اللغات الأجنبيةكالفرنسية والإنكليزية والإيطالية والألمانية والروسية...إلخ ، يدل على تقديرهم لمؤلفاته وإنه بحق رجل المسـرح والأدب والفن وإن مؤلفاته تتناول قضايا الإنسان والزمان ، وتحاول التوفيق بين الحضارتين الشرقية والغربية .

3 ـ أسباب تقلب الحكيم في فكره واتجاهاته ومذاهبه الأدبية تعود إلى :
1. شخصية الحكيم الحساسة التي تتأثر بالأفكار تأثراً سريعا فلم يستقر على شكل فني واحد ولم يكتف بمصدر واحد لاستقاء مادة مسرحياته .

2. التقاط شخصية الحكيم التأثيرات بسرعة مذهلة فتثمر هذه التأثيرات تقلبات فكرية .
ومن أمثلة تأثر الحكيم بالأفكار السائدة عندما ظهرت الحركة التي اهتمت بإعادة التفكير في التراث الإسلامي وإحيائه وكان الحكيم من السابقين وأثمر اتجاهه عن مسرحية أهل الكهف .

وفي الخمسينيات ومع ظهور لويس عوض والكتابة عن الفرعونيةعندما ظهر الاهتمام بالتراث الفرعوني كتب مسرحية (إيزيس) وعندما أثيرت ضجة فنية حول مسرح اللامعقول في الستينيات أصدر مسرحية يا طالع الشجرة .

4 ـ من مظاهر التجديد في الأسلوب الفني للكتابة لدى الحكيم :

1. إدخاله فن الحوار الذي استقر على يديه استقراراً دائماً .

2. إدخال قوالب تعبيرية في الأدب مثل اليوميات والاعترافات والرسائل . كما في زهرة العمر والرباط المقدس .

3. رأي توفيق الحكيم في اللغة وأسلوب الكتابة : فهو من دعاة اللغة الثالثة ، وهي لغة وسط بين الفصيحة والعامية ، وهو من دعاة التخلي عن الزخرف اللفظي وغريب اللغة ، ليسهل على القارىء الاتصال بفكره وأدبه.

4. وهو أيضاً من دعـاة ارتباط الأدب بالمجتمع وعدم الاهتمام بالشكل .

5. يؤمن الحكيم بقيام حضارة إنسانية واحدة ، ولكنه يثير تميز الحضارة الشرقية بالروحانية التي فقدتها الحضارة الغربية الغارقة في المادية .

الحكيم يحاول إبعاد الشرقي عن عقدة النقص ( وهي استصغار الشرقي لنفسه أمام الغربي ) ، ويؤمن بقدرة الإنسان الشرقي على التقدم الحضاري .

» «الأديب الراحل "فوزي معروف" علمٌ من أعلام الأدب والفكر في جبل العرب»